ذكريات اكتوبر
كان ذلك منذ أربعين عاما إلا قليلا.. كنا في رمضان.. في انتظار الإفطار.. وكنت أستمع إلى المذياع متثائبا وإذا بي أنتفض صائحا وقد خيل إلىّ أنني سأطول بيدي القصيرة المقيدة سماء أمنياتي بل وأن وأطير في الهواء لأحلق فوق أرض المعارك طائرة تقصف أو صاروخا ينفجر في بني إسرائيل حتى لو كانت لحظة الانتصار هي لحظة الانفجار هي آخر لحظة في العمر.. كان المذياع يذيع:
- نجحت قواتنا في اقتحام قناة السويس في قطاعات عديدة واستولت على نقط العدو القوية بها ورفع علم مصر على الضفة الشرقية للقناة.
انفجر الرعب وانفجر الحزن وانفجر الشوق وانفجر العجز وانفجرت القدرة وانفجر الألم وانفجر الأمل وانفجر الثأر وانفجر القهر وانفجر التاريخ وانفجرت الجغرافيا وانفجرت الصحراء وانفجرت الجبال وانفجر الدم وانفجرت الأشلاء وانفجرت الهزيمة وانفجر النصر وانفجر الخوف وانفجر القلب المرعوب في الفرح المرغوب.
تداعت المعارك كأفراد قبيلة يستدعي قريبهم بعيدهم عند المحن فرأيت بدرا الكبرى وأحد والخندق و اليرموك والقادسية ونهاوند وبلاط الشهداء وعين جالوت وكربلاء والقسطنطينية وديو البحرية التي شهدت بداية انتصار الغرب على المماليك والعثمانيين والأهرام ونافارين ومرج دابق والتل الكبير وهزيمة 56 العسكرية التي خدعونا فقالوا أنهم انتصروا فتكررت أفدح ألف مرة في 67. توارت الانتصارات وتوالت الهزائم وكف قلبي عن الخفقان مائة مرة ألف مرة مليون مرة.. لكننا في النهاية انتصرنا..
نعم.. في رمضان-أكتوبر73- انتصرنا...
***
منذ أربعين عاما إلا قليلا كلما سمعت هذا البيان انفجرت دموعي.
لن يفهم هذا إلا من كابد ألم الهزيمة عام 67
انتظروا رسالتى القادمة " هدية أكتوبر"