لابا بركان العروبة،..... الرد على مبهور مغشوش بالفقهاء، جاهل شأن السادة الأولياء

________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
لابا بركان العروبة
أخي و شقيقي عروبي
السلام عليكم و بعـــد،
أحاول تحزيز خطابك، و الرد عليه عبارة عبارة، كما لو كنا نتحاور.
• تتساءل ماذا أصنع لنفسي ... أنصحك سلـِّم لمن يعلوك علما للعارفيين و من فوقهم أولياء الله تصون دينك و عقلك، و تسلم.
• ما تطرحه شيق و مثير..... يعني ذو قيمة و يوقظ، شكرا و حمدا لله تعالى.
• و لكني لست واثقا من صوابه ونجاعته، التأويل مقبول أحيانا و لا يصح البتة في أحيان أخرى ........ و ما العجيب الغريب في تردد المطروح بين الإصابة و التوفيق و بين الخطأ و الخذلان!! و هل أنت واثق دائما من صواب الفقه ؟ و هل ترى الفقهاء نجحوا في بعث الخلافة بعد مرور أكثرمن مائة سنة على خلع اليهود سيدنا السلطان المغفور له عبد الحيمد الثاني، و هل تراه مقبولا أو أن الصحة نعت جميع مفرداته هذا العلم الديني الرسمي؟، قال سيدنا الإمام مالك رضي الله عنه: "كل يؤخذ من كلامه و يرد، إلا صاحب هذا القبر"، صلى الله عليه و آله و سلم.
• القمر بأل التعريف هو القمر صنو الشمس أو رفيقها لا جدال في ذلك و هو مشقوق فعلا واقعا ....... و من يخالفك في هذا الفقه؟ حتى الكافر الآن هو مضطر إلى موافقتك بعد أن وجد له تأييدا من العلم الحديث؟
• ............. كلامي بخصوص هذه الآية الكريمة: "إقتربت الساعة و انشق القمر"، لا أزعم أنه تفسير، و لا أقترحه بديلا من الفقه الرسمي، بل هو معرفة نعتها الرطوبة و الدفء تغني الرأي و تعمقه، يحتاج إليها فئة خاصة من المسلمين، قال أمير المؤمنين مولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله و جهه و رضي عنه: "القرآن حمال أوجه"، التفسير الرسمي يعطيه فقه اللغة، و يؤيده العلم الرسمي الأوروبي. و المعرفة محتاجة إليه حاجة شحمة جوزة الهند إلى خشبتها الحافظة، و علاقة الخصومة أو الممانعة بين الفقه و الفلسفة هي وهم يحتكره الفقهاء، باعتبار أن كل فيلسوف هو فقيه لا شك.
• المعرفة شعور يزداد قوة و اتضاحا مع استطال العمر، هي حال تأثر أو انفعال المتغن بالقرآن، أي المطيل صحبته قراءة و تدبرا عميقا، و جدير بالذكر أن سيدنا الشهيد سيد قطب رضي الله عنه، له كتاب سماه: "في ظلال القرآن"، هو فلسفي أو شاعري أو معرفي أو كلامي لا فرق، و سيدنا الشاعر محمد إقبال كان يتأثر و تدمع عيناه من مجرد ذكر اسم النبي. هو حال يندر جدا أن يرقى إليه فقيه، فإذا غلب على الرجل فهو حقيقة فيلسوف، و ليس مهما أي لقب ارتضاه الفيلسوف لنفسه و تمسك به، أو استهجنه و استنكره و ربما استعاذ بالله منه.
• ............... المسلم إنسان، و جميع الأمم يتوزع ناسها على أربع طبقات عمال و فقهاء و عارفون و أولياء، بمعنى أن مستوى الإدراك المسمى باسم المعرفة أو الحال الفلسفي ليست مستوردا، إلا إذا اعتبرنا أن التغذية و النكاح أعراف مستوردة من الغرب، و أن العائلة أو الدولة هي تقليد مستورد من الشرق، لكن الفيلسوف المسلم يتميز بموضوعه المختلف، بسبب أن بيئته هي القرآن، بينما بيئة الغربي هو الطبيعة و بيئة الشرقي هي الحياة. هل أنت تستهجن ترطيب الفكر بالمشاعر، ولا تستسيغ تقبل الفكر إلا جافا يبسا، إذا كان هذا حالك فأشك أن تكون عيناك قد دمعت يوما لسماع القرآن.
• أمتنا المسلمة لا رموز و لا غموض و لا باطنية في مجالها الفكري و لا متنها و لا هامشها كما يديننا الله عز وجل فلا شطحات ولا من يحزنون،..... ما تسميه شطحات يسميه الله سبحانه و تعالى باسم العلم اللدني، أو الوقفه من كتاب المواقف: "أوقفني و قال لي الوقفة تعين سرمدي لا ظن فيه"، : "المعرفة منتهى ما يقال، و الوقفة وراء ما يقال". و أي إن ما تسميه شطحات هو إدراك عميق، مستعص على النقل، و الشطحات هي ما ينشئه الفقيه في رأسه من خربشات سخيفة باطلة موهما نفسه أن هذه الخرابيش هي نسخ عن المعاني العظيمة الموجودة في رأس ولي الله، و ما بين المعاني و بين الخرابيش أوسع بكثير من الفرق الذي بين الماس و بين الزجاج.
• اعذرني قد تعذرني لجهلي من وجهة نظركم التي تدهشنا لكنها لا تقنعني أمانة ........... ليس مكلفا شرعا بأن أن تقتنع، فقط أنت مكلف بالتواضع، و ترك المكابرة، و ألا تنكر ما أثبته علماء الغرب مثلا هم فصلوا العلم و الفقه الشرعي من جنسه : "بأنه ما لما يثبت خطأه بعد"، يبقى العلم غامضا لا يتضح أبدا، بل إن لا علاقة له بالمعاني الزمنية من أبد و قط، و وقت، بسبب أنه مظروف بمواقع المكان، إنه مجرد تأسيس للعلم، بينما المعرفة هي واضحة و تزداد وضوحا و قوة من وقت لآخر لأنها لب العلم و هي مظروفة بالزمان. أما العلم الصوفي فهو العميق، و هو متعال على ظروف المكان و الزمان و ظرفه معدن الصوفي نفسه، مستغن عن الزمان، باعتبار أنه فور حدوثه تام، و الزمان ظرف تجدد المؤسس و استغلاظه حتى يبلغ تمام القوة و الوضوح. الفقه علوم غامضة تتخاصم حتى تتباعد كجزر الأرخبيل، المعارف تجمع مؤسسات الفقه في تيارات قليلة تتزاحم حتى تتوازي و يتعذر اللقاء، التصوف مواجهة بين تيارات سوية تتبارز حتى يتكامل العلم.
• شيخكم الذي تقدسون سره ....... الله سبحانه و تعالى هو من يقدس سر أوليائه و ليس الناس المستفيدون من قشور علومهم. و لهذا السبب هم مقرون بفضلهم، و يحسنون الظن بهم.
• لقد ساعدت كتابات ابن عربي الباحثين في تجلية آراء "الحكيم الترمذي" و"سهل بن عبد الله التستري" و"الحلاج الحسين بن منصور" و"النفري محمد بن عبد الجبار بن الحسن" على سبيل المثال لا الحصر..........
• أما تأثير ابن عربي في الفكر الإسلامي فهو أكثر بروزاً و وضوحاً. لقد بدأ هذا التأثير يتشكل خلال الزيارة الأولى التي قام بها ابن عربي لمدنية قونية عام 1210/607 ومن خلال تلميذه "صدر الدين القونوي" (ت: 1274/673)،.......
• كان صدر الدين القونوي صديقاً حميماً لـ"جلال الدين الرومي" (1273/672) مؤلف "المثنوي"، كما كان أستاذاً لـ"قطب الدين الشيرازي" (ت: 1311/710) شارح فلسفة "السهروردي" .........
• ألهمت تعاليم ابن عربي، في قرن لاحق، كاتباً صوفياً عظيماً آخر هو "عبد الكريم الجيلي" (ت: 1428/832) مؤلف "الإنسان الكامل".
• ولم يقتصر تأثير فكر ابن عربي على الجانب النظري في التصوف ...............
• بتأثير "جلال الدين الرومي" في الشرق و"أبي الحسن الشاذلي" (ت: 1258/656) في الغرب، تشكلت، بتأثير تعاليم ابن عربي، طريقتان من أكبر الطرق الصوفية، هما الطريقة المدلوية والطريقة الشاذلية. ............. حسنا لقد أجهدت نفسك في تعيين سلالة إبن عربي الثقافية، و بينت السلالات التي تهجن منها، و السلالات التي تفرعت عنه، قال تعالى: "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت"، لكن الإشتغال بهذا التكليف الشريف يكون بعد التمتع بالإبل، قال تعالى: "وَ الأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَ مَنَافِعُ وَ مِنْهَا تَأْكُلُونَ # وَ لَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ # وَ تَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ "، لا بأس في عكس الأمر أي أن تشتغل في تصنيف الأنعام ثم تتمتع بها، و أيضا لا بأس أن يقتصر همك على التمتع بالانعام فقط و تترك النظر إليها لتعرف كيف خلقت أو محلها من التصنيف. لكن أن تترك التمتع بها، و تكتفي بالنظر فقط فهو المستهجن، على كل أشكرك فقد عرفتني بعلاقة سيدنا إبن عربي بمن قبله و بمن جاء بعده، لم أكن أعرف وضعه التاريخي من قبل، فقد كنت مشغولا بشرب منطقه و أكل أفكاره، و امتطاءه إلى المعالى، و الإستمتاع بجمال شعره و نثره.
• من هنا يرى الدكتور نصر حامد أبو زيد بأن استدعاء ابن عربي، مع غيره من أعلام الروحانية في كل الثقافات، يمثل مطلباً، حيث في تجربته، و في تجاربهم ما يمكن أن يمثل مصدراً للإلهام في عالمنا الذي يعاني ما يعانيه من مشكلات حياتية. و يضيف قائلاً بأن التجربة الروحية هي مصدر التجربة الفنية، الموسيقى و الأدب و كل الفنون السمعية و البصرية والحركية، فهي الإطار الجامع للدين والفن، هذه أهمية استحضار ابن عربي بالنسبة للكاتب أبو زيد في السياق العام................... المجتمع مثل الفرد، أول شيء يشتغل فيه الانسان بسبب أنه منطو على شجرة هو بطنه، ثم فرجه، ثم بسبب أنه منطو على حيوان يشتغل في الفن و الرياضة، ثم يعيش الانسان حياته و هي النسك و البيان، باعتبار نفسا ناطقة قدسية حسب تعريف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه و رضي عنه، لكن النسك و البيان أو ما سماه الدكتور بالتجربة الروحية ليس مصدر التجربة الفنية، بل هي وضيع يضطر التجربة الفنية و أيضا معها التجربة الجنسية و المعيشية إلى إعادة البناء شكلا و في المضمون، لا يبدو من الإنسان إلا وجهه الحيواني المحسن جدا، و تكوينه النباتي عورة، و في المضمون ليس الحلم و العفة إلا أخلاق حيوان الإنسان، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه و رضي عنه: "ما أدل الحلم على العلم"، الانسان الرذيل أي المحروم من العلم يكون عاجزا عن ضبط حيوانه، فيشبه في فلتانه الحيوان المستقل يغضب لأتفه سبب و يبطش، يثير شهوته حسن الشكل فلا يتورع عن الزنا.
• استحضار ابن عربي في السياق الإسلامي، واستعادته من أفق التهميش إلى فضاء المتن مرة أخرى، لا يقل أهمية، وذلك بسبب سيطرة بعض الاتجاهات والأفكار و الرؤى السلفية على مجمل الخطاب الإسلامي في السنوات الثلاثين الأخيرة من القرن العشرين ................ يمكن تفسير استحضار إبن عربي أو الحياة الصوفية التي هو ذروتها، بأنه ترقية للجسم الاجتماعي العربي، أي بعث أسمى ما هو كامن فيه من قدرات، بعد نفاد الجهود العسكرية الرسمية و الأصولية و إنسداد الأفق أمامها في صراعها مع عدو متفوق عسكريا، ليس بمعنى التخلي عن مشاريع الجهاد و النضال و الحرب، بل بمعنى ترقيتها و أنسنتها، لتعظيم فعاليتها، و قد بينت التجارب أن الإنسان حتى و هو أعزل تخشاه الوحوش، فكيف إذا تسلح.
• بالإضافة إلى ذلك فإنه وفي مجال المساهمة في تأكيد قيم الحوار و التفاهم و الإقدام المتبادل بين الشرق و الغرب، يمثل فكر ابن عربي رصيداً ثرياً يستأهل تأمله و الغرض منه لتحرير العقل المسلم المعاصر من آثار المشكلات السياسية و الاجتماعية و الثقافية التي سببت حالة التوتر والاحتقان في الفكر الإسلامي............... أمة تعيش حياة حيوانية أي يغلب على مزاجها الجيش و الفن و الأدب اللساني، لا تستطيع مواجهة العالم، أقصى ما تستطيعه هو مزاحمته و مخاصمته و تحقيق إتحاد و القهر و التهريج معه، طبيعة الاسلام إنسانية، و الصوفية ذروة الإنسانية، ليس أمة انتشرت رسالتها سلميا عن طريق الدعاة سوى أمة محمد صلى الله عليه و آله و سلم، ليس أمة يكافيء و ربما يرجح الداخل فيها حديثا العريق فيها غير المسلمين، يقول سيدنها أبو عبيدة الجراح رضي الله عنه لأهل الشام اللذين في الظاهر بلادهم محتلة عسكريا: "و الله لا أعلم أن رجلا أتقى لله مني إلا تمنيت أن أكونه"
• ما الذي جعل منعزلين في الهامش من سيرورة الأمة التي لا تجتمع على ضلالة كالمنعزل أبو زيد يجعل شيخكم بن عربي في المتن مطالبا بذلك من خلال كتابه الموسوم ب"هكذا تكلم بن عربي"!؟ ............ السبب أن الوعي الصوفي متسع مستوعب، من المواقف : "إن رأيتني في الضدين رؤية واحدة فقد اصطفيتك لنفسي"، الوعي الصوفي متحد مفرداته، و ليس ارخبيلا أي جزرا مبعثرة، و ليس جبهويا متوازيا كالوعي الفلسفي، بمعنى أن كل إنسان أيا كان توجهه يجد له موطنا في الفضاء الصوفي الرحب، الإسلام في الصوفية هو دين واحد ليس فيه سنة و شيعة و زيدية، الخ. حواجز التعصب تذوب، و يعود الإسلام أبيض اللون، قال رسول الله محمد صلى الله عليه و آله و سلم: "تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيع عنها إلا هالك"، ما المانع أن تصلي الصلوات الإبراهيمية الخمس كما يفعل الزيدية، و ما المانع أن تمسح الرجلين و تصلى على التربية الحسينية كما يفعل الشيعة، و تفرق الصلوات كما يفعل السنة، الخ. و أن تبايع أبا بكر الصديق رضي الله عنه بصفته سلطان قدرة، و في نفس الوقت تبايع أمير المؤمنين عليا كرم الله وجهه بصفته سلطان حجة، أليس الكمال هو ما كان عليه حال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافة أبي بكر الصديق، و ليس سوى حال تشرمط النفس من مانع لها من هذا الاستقصاء، و هو الذي يضطرها إلى الاكتفاء بشظية من المطلق الملي الإبراهيمي.
• بالنسبة لي و بالنسبة للأمة كما أزعم-و لا تغضب لذلك فهو إيماننا الذي دلت عليه سيرورة الأمة حتى صارت على ما هي عليه من كينونة لا تجتمع على ضلالة و قد اجتمعت الأمة بعلامائها قاطبة أن شيوخكم-إلا ما رحم الله-هم في الهامش من فقه و ضمير الأمة لا المتن! ............الأمة طبقات كالبطيخة، القلب هم النيب و أهل بيته و الأولياء و الطبقة الثانوية الحمراء هم العارفون و الشحمة هم الفقهاء و القشرة هم العمال أو العباد المقلدون، بداهة أن كل طبقة من الناس تظن نفسها أنها هي زبدة الإسلام و أنها الفرقة الناجية، و أنها و أنها، و الوهم و الفشر لا يعول عليه. لا يمكنك الزعم أن الذهب في الهامش لمجرد أنك لا تلحظه متراكما في كل مكان، فهو محفوظ في الخزانة مخبأ عن العيون مضنون به لكرامته و ندرته.
• لكن لنصر أبو زيد ومن يلف لفه من أهل المقاربات الفكرية و الروحية "العالمية" تريد أن تنزل الإسلام منزلة أممية مجللة بما يسمونه "روحية الإسلام" حتى يتماهى الدين القيم مع الباطل الذي لدى تلك السبل هذا ما ينزع إليه المحدثون من خلال مقارباتهم كما نفهمها ........... أنت تتحدث عن مقاربات الفلاسفة المبهورين بالوارد من الأمم، كإبن رشد الذي كان يمكن أن يقنعه و يجعله يتيه فخرا أن يقال عنه الشارح الأكبر لأرسطو، كيف تتوه عن سيدنا أبو حامد الغزالي و من تابع سيرورته في جبه فلاسفة الأمم الأصليين و الفلاسفة الأذناب، اللذين لا يمكن حسابهم من جملة العارفين العرب، أو الفلاسفة العرب الذي يتميزون بالإنشغال بالموضوع الأممي الخاص؟، لكن يمكن للفيلسوف الإسلامي أن يقوم بتفكيك فلسفة أمة ما ثم الاغتذاء على مفردات المادة المهضومة. تماما كما يفعل جسم الحيوان يهضم الشجرة ثم يحول مادتها إلى أنسجته. أو كما يفعل الإنسان مع الحيوان الوحش، يأسره ثم يهذبه تمهيدا لدمجه في مجتمعه.
• ختاما: في العالم الصوفي جسم فكري و روحي غريب عن ضمير الشرع الذي عرفه لنا النبي صلى الله عليه و سلم و صحابته الكرام....... و في العالم الفقهي جسم فكري و روحي غريب عن ضمير الشرع المعروف، هل ما كان يقع و لا يزال في العراق هو من فعل الصوفية أو من فعل الفقهاء، لا تستطيع أن تزعم أنه من فعل علمانيين أو قوميين، بل إن العراق منكوب لحال تعصب فقهي فظيع، لا يمكن تجاهل صفته هذه، و لا يمكن إلا استنكار و استغراب و استهجان، الخ. هذا الوضع الذي يستفظعه ضمير الشرع الذي عرفه لنا النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و لعلمك و علم غيرك إن سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو رأس هذا الجسم الفكري و الروحي الذي تصفه بأنه غريب عن ضمير الشرع، هل تعتقد أن الصديق سطح قريب سهل المنال على مدارك الفقهاء، و أن لا عمق له عزيز مستعص عليهم، قال رسول الله محمد صلى الله عليه و آله و سلم: "لم يفضلكم الصديق بصيام و قيام و إنما بشيء وقر في صدره"، ألم يبلغك قول سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، جعلت حديث رسول الله صلى الله علي و آله و سلم في جرابين، جراب أبثه فيكم، و جراب أحتفظ به لنفسي، و لو فسرت لكم قوله تعالى: "الله الذي خلق سبع سموات و من الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن" لقطع مني هذا البلعوم. هل يجب أن يكتم الصوفي علمه حتى لا يستوحش منه أصحاب العقول الصغار، الذي يظنون أنفسه من عظام رقبة الرسول.
• و قد تأكد ذلك في مسارهم العلمي إلى هذه الساعة حيث كانت الأمة على مفترق طرق سبيل السنة و سبل أخرى ظلت عن الطريق ................. مسارهم العلمي على طريق الإسلام، طريق الاستقامة الأخلاقية و الإعتدال المزاجي و التوسط في الأمور الذي يجمع الأمة رغم الثراء الفكري العريض، بينما يختلف فقهاء السنة و الشيعة و يتنازعون أصول الفقه كل يدعي أبوته، و رغم أن المفترض في الموضوع المشترك أن يكون سببا للوحدة تراهم متخاصمين دائما، و عبثا يحاولون التقارب، تحت ضغط الظروف، و ليس السبب المانع لهم هو الاختلاف العلمي، قال رسول الله محمج صلى الله عليه و آله و سلم: "إختلاف أمتي رحمة"، بل إن السبب هو سوء الخلق و انحراف المزاج، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه و رضي عنه: "كم من عقل أسير تحت هوى أمير"، و ليس العقل سوى العقيدة الثانوية التي تميز المذهب، و هذا العقل هو من صنع النفس الرعناء التي للفقهاء الذين يصدق عليهم المثل اللاتيني: "نحن نعتقد ما نريد أن نعتقده"، و ما يريد الفقهاء أن يعتقدوه هو أن الاسلام لون واحد، وهم فقهاء كل جماعة يختزل الاسلام و يختصره في لونه الخاص، فقهاء الشيعة يرون الاسلام أزرقا، و فقهاء السنة يرونه أحمرا، و فقهاء الزيدية يرونه أخضرا، و فقهاء الشافعية يرونه أصفرا. فقط الأولياء و العارفين من هذه الجماعات يرون الإسلام أبيضا، فإذا أظهر بعض الشيعة الاستقامة مثل الدكتور علي شريعتي اتهمه الفقهاء بالوهابية، و إذا أظهر فقيه مجتهد مثل الامام محمد بن إدريس الشافعي اعتدال مزاجه اتهمه الفقهاء بالرفض و المروق، الخ.
• هذا الجسم الصوفي فيه تراتبية عجيبة ابتدعت لها مصطلحات ومقامات ورتب إن نحن نزلناها على جو و روح الأمة و ضميرها الروحي و الفكري والفقهي لا تصمد أمامها و تنكشف غرابتها وغرائبيتها وبالتالي لا تجد الأمة نحوها إلا الإنكار فنحن لها منكرين .............. هذا مستوى من الإدراك لا يليق بعربي يعيش في بيئة كلام الله و رسوله، إنه لا يرتفع عن المستوى الهابط الذي عليه الإدراك الأوروبي الأمريكي، حتى إن الفيلسوف الإنجليزي هيوم الذي يصفه الفيلسوف الألماني كانط بأنه الموقظ له من سباته العميق، كان يتوهم أن الأفكار ليست سوى صور خيالية باهتة، و هم بالجملة لا يرون الإنسان سوى أرقى أنواع الحيوان، كيف لا تستنكر و تستهجن تراتبية الجيش، و الجيش حيوان المجتمع، أنت إن نظرت في المرآة لن ترى سوى حيوانا، تظهر لك حواسه الخمس، و يظهر لك أعضاءه المتحركة من لسان و يد، لكنك لن تستطيع أن تحس إنسانك، حتى لو شرحت جسمك، تستطيع أن ترى قلب حيوانك و نفس حيوانك تتدفق من قلبه و تسير في أوعية الشرايين و الأوردة، لكنك تجهل أين تجد نفسك الناطقة القدسية، و أين تجد قواك الخمس التي أحصاها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه و رضي عنه: "النفس الناطقة القدسية لا منشأ لها، و لها خاصيتان الحكمة و النزاهة و خمس قوى هي النباهة و الفهم و الذكر و العلم و العمل"، لن تجد أية قوة من قوى إنسانك ظاهرة لحواسك، رغم أنك تعرف حين تفكر أنك تستعمل قوى غير حواسك، الأفكار ليست من صناعة قوة البصر. المبادئ تضعها قوة النباهة العلاقات تدركها قوة الفهم، و تدريج الأشياء في جداول من فعل قوة الذكر، و تعريف الموجود بحه أو رسمه من فعل قوة العلم، و قوة عمل الإنسان هي غير أعضاء الحيوان غير اليد و الرجل و اللسان.
• أنت و غيرك يخفى عليك جسم إنسانك، رغم أنك متأكد أنه شيء مغاير و أرفع من حيوانك، و كيف تتوقع أن يكون إنسان المجتمع ظاهرا لك!!!!! أنت تألف تراتبية حيوان المجتمع المستطيل و مصطلحاته و مقاماته و رتبه مثل عماد و لواء و عميد و عقيد و مقدم و رائد، الخ. فما يمعنك أن تألف تراتبية إنسان المجتمع و مصطلحاته و مقاماته و رتبه؟؟؟ لعملك سيدنا محمد بن إدريس الشافعي كانت رتبته وتدا، أو ركنا في هذا الجسم القومي الإنساني مستقيم الفعل.
• أي أمة التي جوها و روحها و ضميرها الروحي و الفكري و الفقهي تنكر هذا الجسم مستقيم الفعل، أنت تتكلم عن إمة الاسلام، التي قال نبيها محمد صلى الله عليه و آله و سلم: "أول ما خلق الله العقل، فقال له أدبر فأدبر، ثم قال له أدبر فأدبر......."، معلوم أن رسول الله هو أول الأمة الإسلامية هو و أهل بيته صلوات الله عليهم و سلامه هم عقل الأمة، : "العقول أئمة الأفكار"، لن يجد الرسول من يفهم لحنه إذا كان جسم الأمة كالهضبة سقفها الجيش و شعراء اللسان و الفنانون. و مجتمع بلا رسالة و بلا فكر توجهه الرسالة هو مجتمع حقيقته حيوانية.

شطحات فلسفية في الوضع العربي (بتأثير إبن عربي)
• يقول الفيلسوف هيجيل تحت عنوان مبدأ الماهية: كل موجود عبارة عن نسبة معينة من العناصر الداخلة في تكوينه، و النسبة هي ماهية الوجود.
تعقيب:
النسبة هي ماهية وجود الكائنات المنكوسة الحركة فقط، الحركة حسب إحصاء سيدنا الشيخ الأكبر إبن عربي قدس الله سره، ثلاثة أجناس، و قد ذكرها في معرض تفسيره رموز الصلاة الاسلامية و اقترح لها أسماء، منكوسة و مستطيلة و مستقيمة، عندما يسجد المصلي فهو يعبد الله عبادة النبات، قال تعالى: "النجم و الشجر يسجدان" النجم هو النبات الذي لا ساق له، أو له ساق لكن غاية في القصر كالبصلة، و سجود النبات هو وضع فمه أو جذوره التي يشرب بها و يغتذي و يتنفس في التراب، و أوراقه التي هي مؤخرته و زهرته التي هي فرجه في السماء، و الركوع هو عبادة حيوان الذي ينطوي عليه الانسان، أما عبادة الانسان بما هو نفس ناطقة قدسية فهي حركة قيامه منتصبا.
المثلث كائن هندسي منكوس أي هو نبات هندسي، لذا تتعين ماهية الفرد من المثلثات بنسبة، مثلا المثلث قائم الزاوية متساوي الساقين النسبة (الأضلاع 1،1، جذر 2، الزوايا 90، 45، 45) تعين ماهية فرد هندسي منكوس الحركة مستقل.
لكن هذا النبات الهندسي إذا كان ملحقا بحيوان هندسي أي مثلث مرسوم داخل مستطيل أو شبه منحرف، فإن ماهيته يعينها ثبات حجمه، أي إن جميع المثلثات مختلفة النسب، لكن المتساوية في الحجم، بسبب ثبات قاعدة المثلث و ارتفاعه، هي مثلث واحد لا أكثر، و نسبة المثلث الفرد هنا لا تعين ماهيته أو فرديته بل تعين حالة من حالاته.
الشجرة حسب تعريف الأمير عليه السلام هي نفس نامية نباتية أي طحلب و فطر، أي بطن و فرج، و الشجرة المستقلة جامدة تعين ماهيتها أو فرديتها نسبة، لكن الشجرة الملحقة بحيوان أو إنسان هي متحركة، المعدة و الإمعاء و الرئة أجزاء من الشق النام، و هي أجزاء دائمة الحركة، أي متغيرة النسبة، لكن تبقى هي هي عينها، بسبب أن ماهية الكائن منكوس الحركة مثل الشجرة أو المثلث صارت تتعين باعتبار مختلف.
• و يقول الفيلسوف هيجيل الموجود طبيعة أو نسبة، و له ظواهر يبدو عليها، و النسبة هي العلة أو الماهية أو القوة و الظاهرة هي فعل القوة أو وظيفتها أو هي ماهية الماهية أو المعلول، و العلة و المعلول متلازمان و كل علة معلولة لغيرها و تنتظمها جميع دائرة، لا تسير في خط مستقيم ينتهي إلى علة أولى أو مفارقة أي إلى محرك أول كما يقول الحكيم أرسطو.
تعقيب:
أخفق هيجيل في تفسير العلاقة بين النسبة و بين الظاهرة، قال تعالى: " وَ الأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَ أَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ”
الوزن هو الفرق بين العلة نسبة و المعلول ظاهرة، النسبة هو صورة فلكية خيالية متعالية على المكان، النسبة (الأضلاع 1،1، جذر 2، الزوايا 90، 45، 45)، يمكن أن تأخذ أي مقادير مثلا (7سم ، 7سم، 10سم)، عنده يمك مد المثلث في المكان، و هو نسبة يكون بلا مكان أو غير متمكن، مده أو تأسيسه أو تظهيره، يحتاج إلى تعيين أوزان أضلاعه أو مقاديرها بدلالة وحدة ما.
حسب نظرية أرسطو الجسم هو المادة مركبة في صورة، الصورة نسبة أو علة فاعلة، و المادة منفعلة معلولة، ماهية ماهية أو صفة صفة.
خطأ هيجيل هنا هو التسطيح، بمعنى أنه يتوهم أن العلة و المعلول من طبقة أو عالم واحد، و هو غفلة عظيمة ترفع عنها أرسطو، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه و رضي عنه: "العقول أئمة الأفكار، و الأفكار أئمة القلوب، و القلوب أئمة الحواس و الحواس أئمة الأعضاء". يمكن أن يكون الفاعل و المنفعل من طبقة واحدة و ليس سوى الزوجين، أي شيء واحد، منتج مثل أحدهما، لكن هنا الزوج الذكر لا يصح وصفه بأنه نسبة و علة و ماهية، و وصف الزوج الأنثى بأنها ظاهرة و معلولة و صفة تصف ماهية الذكر.
ماهية الشجرة المستقلة غير الملحقة بحيوان أو المثلث الفرد المشرد غير الملحق بمستطيل يعينها نسبة، و ماهية المثلث الفرد المنظوم بمستطيل يعينها ثبات الحجم، لكن ماهية المثلث الفرد المنظوم بدائرة لا تنقلب بتغير الحجم، تتغير نسبة المثلث و يتغير حجمه و رغم ذلك يبقى هو هو عينه بسبب أن ماهية المثلث المنظوم بدائرة أو كائن هندسي إنساني يعينها تماس رؤوسه مع محيط الدائرة، و يكون تغير جحمة مثل تغير نسبته هو مجرد توضع لنفس المثلث، و ليس إنقلاب عين أو مغايرة.

تلميذ السادة الأولياء
محمد سعيد رجب عفارة
الأحد 09 05 2010